يقول
الاستاذ عادل منّاع في كتابه المتقدم ذكره:
ولد الشيخ عبد الله أفندي العلمي سنة 1279هـ
وتوفي سنة 1355هـ (1862هـ - 1936م). وهو عالم
ازهري، ومفسر، وفرضي وفقيه، ومشارك في بعض
العلوم الاخرى. درّس في جامع غزة الكبير،
ثم عين مفتشاً للمعارف في القدس، وانتخب
رئيساً لبلدية غزة عشية الحرب العالمية
الاولى. انتقل وعائلته الى الشام سنة 1237هـ/1918م
فأصبح عضواً في المؤتمر السوري الاول،
ودرّس في الجامع الأموي. وهو
(والكلام لا يزال للأستاذ عادل منّاع) عبد
الله بن محمد بن صلاح العلمي الشافعي. ولد
في غزة ودرس فيها على الشيخ عبد اللطيف
الخزندار والشيخ حسين وفاء العلمي،
والشيخ سليم شعشاعة. رحل الى الازهر سنة 1297هـ/1880م
ودرس على مشايخه، منهم الانبابي
والبحيري، وغيرهما.رجع الى غزة سنة 1302هـ/1884-1885م وبقي
في تلك الوظيفة مدة أشهر فقط، ثم رفع منها
وعُيّن مفتشاً على مدارس قرى غزة. ثم في
سنة 1333هـ/1915م اضيفت له وظيفة تحصيل أموال
المعارف. وعُيّن قبل ذلك رئيساً لمجلس
بلدية غزة بالوكالة، لكنه لم يكمل عامه
الاول وعزل منها. وفي أيام الحرب العالمية الاولى هاجر من غزة الى نابلس، ومنها الى دمشق سنة 1918م، حيث توطن فيها، وعين واعظاً في الجامع الاموي ومعلماً للبنات. وفي دمشق اختير عضواً في المؤتمر السوري الاول، وظل يقرأ ويدرس مدة طويله. واعترته في دمشق أمراض لزم بسببها بيته وهو مع ذلك مثابر على المطالعه والكتابه والتأليف. وتوفي يوم الاحد الموافق 8 جمادي الاولى 1355هـ /26 تموز(يوليو) 1936 . ومن
مصنفاته: 1-
"تفسير
سورة يوسف". 2-
"الإلماع
في احكام الرضاع، والبصيرة في احكام
الجيرة" وكلاهما في فروع الفقه الشافعي. 3-
"شرح متن
الفرائض" المشهور ب "الرحبيه". 4-
"الابتهاج في
قصتي الاسراء والمعراج". 5-
"المبعوثان في
تعاليم القرآن". 6-
"أعظم تذكار
للعثمانيين الأحرار أو الحرية والمساواه". 7-
"الحديقة في
مولد سيد الخليقة" وغيرها من المصنفات
والرسائل.
ولد
فيضي أفندي العلمي سنة 1865م وتوفي سنة 1924م
وهو (كما يقول الاستاذ عادل مناع في كتابه
أعلام فلسطين في اواخر العهد العثماني
1800-1918): رئيس بلدية القدس، ثم عضو مجلس
المبعوثان العثماني في دورته الثالثه سنة
1914م تولى ادارة شؤون عائلته واملاكها
وعقاراتها وهو صغير السن ثم دخل سلك
الوظائف الادارية. وفي سنة 1906م انتخب
رئيساً للبلدية وبقي في منصبه هذا ثلاثة
أعوام اختير بعدها عضواً في مجلس ادارة
المتصرفية. وهو
فيضي بن موسى بن فيض الله العلمي. كان
والده موسى افندي، أحد أعيان القدس
البارزين في النصف الثاني من القرن 19. وقد
عين عضواً في مجلس ادارة متصرفية القدس ثم
رئيساً لمجلس بلديتها في اواخر السبعينات
وتوفي موسى افندي سنة 1881م وكان فيضي، نجله
الوحيد، كما يبدو، في السادسة من عمره
حينذاك، فتولى فيضي القيام بمسؤوليات رب
العائلة. ثم عين في اول امره موظفاً في
دائرة تحصيل الاموال في القدس. ثم انتقل
الى سلك القضاء، وعمل بعدها في مختلف
الوظائف الادارية حتى عُيّن مدير ناحية
بيت لحم سنة 1902. وفي
سنة 1906م اختير رئيساً لمجلس بلدية القدس.
وشغل هذا المنصب مدة ثلاثة أعوام، عُيّن
بعدها عضواً في مجلس ادارة المتصرفية. وفي
سنة 1914 انتخب مع راغب النشاشيبي، وسعد بك
الحسيني ليمثلوا متصرفية القدس في مجلس
المبعوثان العثماني. وفي
ابان أعوام الانتداب الاولى، كان كبير
عائلة العلمي وأحد أعيان القدس البارزين،
لكنه لم يشترك في النشاط السياسي الوطني.
وقد عانى في أيامه الاخيرة من مرض تصلب
الشرايين، وتوفي به في آذار (مارس) 1924م،
فورثه ابنه الوحيد، موسى العلمي، في ثروته
ومكانته. ومن آثاره المصنفة كتاب: "فتح
الرحمن لطالب آيات القرآن" الذي طبع في
بيروت سنة 1323هـ/1905م
ورد
في كتاب (من أعلام الفكر والادب في فلسطين
لمؤلفه المرحوم يعقوب العودات (البدوي
الملثم) عن موسى فيضي العلمي ما يلي: )الحكمة
التي آمن بها موسى العلمي وبشر بها في
ندواته ومجالسه واتخذها شعاراً قبل وقوع
النكبتين المروعتين في فلسطين قوله: "اننا
لن ننتصر على اسرائيل النصر النهائي حتى
ننتصر على انفسنا". ولد موسى العلمي في
بيت المقدس عام 1897. ودرج في مغارس العز
والدلال. وانتقل من منزله في القدس الى
الكولونية الاميركية في المدينة الثكلى، وفي عام 1925 عين في
وظيفة كبرى بدائرة النيابات العامة
بالقدس، وظل يعمل فيها لغاية عام 1937،
وبعدها شغل وظيفة (محامي الحكومة) وهي أعلى
وظيفة اسندت لعربي في فلسطين. وفي عام 1937 أقاله
المسؤولون البريطانيون من عمله ايماناً
منهم بعطفه على قضية بلاده وشجبه تهويدها
واغراقها بسيل الهجرة اليهوديه، فأبعدوه
الى بيروت تخلصا من رجل يقاوم سياستهم
الملتوية. وعندما دعت
بريطانيا الى مؤتمر فلسطين المنعقد في
لندن عام 1939 كان الاستاذ العلمي أحد أعضاء
الوفد الفلسطيني المفاوض. وبعد أن نشبت
الحرب العالمية الثانية 1939 أبعدته
السلطات الفرنسبة عن لبنان الى العراق. وظل فيه الى أن دخله
الانكليز عام 1940. فعالج مع المسؤولين
البريطانيين قضية تشريده عن بلاده. فسمحوا
له بالعودة الى فلسطين والاقامة في (شرفات)
وهي قرية يملكها الاستاذ العلمي بالقرب من
مدينة بيت لحم، اقامة جبرية لمدة سنة. وبعد أن تلطف الجو
السياسي عام 1943 سمح له بالاقامة في القدس
ومزاولة المحاماة، وفي خريف عام 1944 كان
موضع ثقة الحزب العربي، حزب الدفاع، حزب
الاستقلال، حزب الكتلة الوطنية، حزب
الاصلاح، حزب الشباب. ولبعده عن الحزبية
اختارته هذه الاحزاب ممثلا لها في المؤتمر
المنعقد في الاسكندرية عام 1944 لتأسيس (الجامعة
العربية)، ولخطورة هذا الموضوع يجدر بنا
أن نجيء على ذكر بعض التطورات السياسية
التي مر بها هذا المؤتمر. مؤتمر
الاسكندرية: في 25 أيلول من عام
1944 اجتمعت وفود الدول العربية في
الاسكندرية، في مؤتمر عرف فيما بعد ب (مؤتمر
الاسكندرية) مع أن اسمه الحقيقي (اللجنة
التحضيرية للمؤتمر العربي العام) واشترك
فيه مندوبون عن دول مصر وسورية والعراق
ولبنان والاردن والسعودية واليمن. أما (فلسطين) فلم
تدع لهذا الاجتماع مع أن قضيتها هي من صميم
القضايا العربية بل انها أكثرها خطورة
وأبعدها مدى في التأثير على مستقبل العرب
وعلى كرامتهم وعلى امكانية تكتلهم وجمعهم
في وحده شاملة. غير أن ذوي الرأي في
فلسطين رأوا خلاف رأي الدول العربية
وصمموا على ارسال وفد فلسطيني الى هذا
المؤتمر ليوضح لرجال الدول العربية حقيقة
الموقف في فلسطين وليؤكدوا لهم انه لن
تكون هناك وحدة حقيقية اذا لم تكن (فلسطين)
ليست عربية، وان أمرها ومستقبلها لن يثير
في العرب اهتماماً. وبعد تشاور ذوي
الرأي في فلسطين قررت الاحزاب الفلسطينية
المذكورة ارسال وفد الى الاسكندرية لينوب
عنها في إقناع الدول العربية بضرورة
اشتراك (فلسطين) في هذا المؤتمر ثم الدفاع
عن قضيتها فيه، فاختارت الاحزاب الستة
الاستاذ موسى العلمي ليمثلها بفرده في ذلك
المؤتمر، فقصد الاسكندرية وذلل الصعاب
التي قامت في وجه قبول (فلسطين) في
المؤتمر، وتمكن من اقناع المؤتمرين بقبول
وجهة نظر عرب فلسطين، فاشترك في أبحاث
المؤتمر ودافع عن أظلم قضية عرفها التاريخ
ضمن حدود الميثاق القومي الفلسطيني. ونجم عن هذه
الابحاث وضع بروتوكول الاسكندرية عام 1944
وفيه عهد للدول العربية بإنقاذ فلسطين.
لكن الدول العربية لم تف بالعهد المسؤول.
وفي هذا المؤتمر
بحثت
لأول مرة فكرة انقاذ اراضي فلسطين عن طريق
تمكين الفلاّح فيها وذلك بتحسين حالة
الاراضي وزيادة انتاجها ورفع مستوى
الفلاّح اقتصاديا وثقافياً وصحيا. وما
لبثت هذه الفكرة أن تبلورت في اللجنة
الاقتصادية التابعة ل (الجامعة العربية)
في شهر تموز 1945، واخيراً في دستور المشروع
الانشائي العربي الذي تبناه مجلس الجامعة. المشروع
الانشائي العربي: ومن حق التاريخ
العربي المعاصر عليّ أن اجيء بلمحة عن هذا
المشروع العربي: (والكلام لا يزال للمرحوم
يعقوب العودات):- تألفت في
الاسكندرية لجنة تحضيرية للمؤتمر العربي (من
25 ايلول 1944 الى 7 تشرين الاول 1944) بحضور
ممثلين عن سبع دول عربية، وكان الاستاذ
العلمي ممثلا لعرب فلسطين، وبعد أن وقف
وشكر المؤتمرين على قبوله في اللجنة
التحضيرية انبرى يشرح ادوار القضية
الفلسطينية وما مر بها من ثورات واضطرابات
وما يبيت لها في السر والعلن من مؤامرات
للأستيلاء على الاراضي الزراعية الخصبة
وتسليمها لقمة سائغة للكارن كايميت (شركة
الصندوق القومي اليهودي) ومحو القرى
العربية من الوجود وتشتيت أهلها وشطب
أسمائها من خارطة فلسطين. وفي الجلسة الثالثة
المنعقدة في 1 تشرين الاول 1944 اقترح
الاستاذ العلمي تأسيس صندوق قومي عربي عام
تشترك فيه جميع الاقطار العربية وتشرف على
ادارته، فتوقف للعرب – كما يوقف اليهود
لليهود – اراضي فلسطين الباقية لتظل في
أيديهم. وأنذر العلمي المجتمعين بأن عرب
فلسطين اذا حملوا على الخروج منها فلن
يتمكنوا من الرجوع اليها، وختم كلامه
بقوله: "والخلاصة اننا
نحن عرب فلسطين قد اصابنا من جراء السياسة
الصهيونية أكبر ضيم وقمنا بأكبر
التضحيات، وقد استشهد منها أكثر من خمسة
آلاف شهيد، ونسف لنا عشرة آلاف بيت وهدمت
بالمصفحات بيوت صغيرة للفقراء والمساكين،
وخسائرنا المادية لا تقدر بالملايين،
وتشتت زعماؤنا وأولو الرأي فينا، وما زالت
السجون ملأي برجالنا والمعتقلات تضم
أبناءنا ... فحملنا ثقيل والطريق شاق. فاذا سألتموني ماذا
نحن بعد ذلك فاعلون ؟ قلت لكم بكل هدوء
واطمئنان: "اننا مصممون على الاستمرار
في الجهاد حتى يقضي الله أمراً كان
مفعولا، لأننا نرفض الذل ولا نرضى
بالاستعباد". وقبل انفضاض اللجنة
التحضيرية في الاسكندرية أبلغ مصطفى
النحاس باشا – رئيس وزراء مصر آنذاك –
الاستاذ العلمي تعيينه عضوا في اللجنة
الاقتصادية التي أشار اليها بروتوكول
الاسكندرية، فشرع من توه في درس الموضوع
ومراجعة الخبراء، وأخيرا أسمت اللجنة
التحضيرية هذا المشروع (المشروع الانشائي
العربي) ولهذا المشروع أساسان مهمان: الأول:
أن تقوم به الحكومات العربية دون
تفكير بربح أو باسترجاع رأس المال، بل
تقوم به على أساس فكرة المحافظة على
الكيان ومنع جلاء العرب والحيلولة دون
زوالهم من فلسطين. الثاني:
أن المشروع مبنى على العمل لأستئصال
المرض من الأصل وليس على فكرة تخفيف وطأة
المرض عند حلوله. وبمعنى آخر يجب أن لا
ننتظر حتى تقع أرض عربية في خطر البيع
فنأتي لأنقاذها وتخليصها من المشتري
اليهودي، بل علينا أن نمنع الظروف
والاسباب التي تحمل صاحب الارض على بيع
أرضه. وفعلاً تألفت في
مدينة القدس جمعية سميت (جمعية المشروع
الانشائي العربي) مركزها مدينة أريحا،
وسجلت في الدوائر المختصة بموجب قانون
الجمعيات، وغاياتها الاساسية: 1-
اصلاح القرى العربية ورفع
مستواها الصحي والاجتماعي. 2-
تحسين حالة المزارعين العرب
الاقتصادية والاجتماعية. 3-
تحسين الصناعات الزراعية
والقروية. 4-
تشجيع التشجير على أنواعه. 5-
الأخذ بالنظام التعاوني. 6-
إنشاء معاهد للتدريب
الزراعي والصناعي للأيتام والمعوزين
العرب مجاناً. بعد
النكبة الاولى: لكن هذه الاهداف
تغيرت بعد وقوع النكبة الفلسطينية
المروعة (1948)، فبعد أن فقد العرب مدنا وقرى
فلسطينية وخرج حوالي مليون عربي الى التيه
.. ترتب على جمعية المشروع الانشائي العربي
واجبات جديدة لم تكن تخطر على البال،
فالهدف الذي كان (رفع مستوى القرى وتحسين
أحوالها) أصبح في عام 1948 جمع الشمل ورفع
الروح المعنوية وخلق أمة جديدة واعية. وبعد توحيد ضفتي
الاردن اتصل المسؤولون عن جمعية المشروع
الانشائي العربي بالمسؤولين الاردنيين
وطلبوا السماح لهم بالاستيلاء على أراض
موات تقع بين أريحا – الشونة بقصد احيائها.
وفي شهر آب 1949 سمح للجمعية بوضع يدها على
تلك الاراضي الموات وبدأ المسؤولون بدرس
أحسن الطرق لأحيائها والتنقيب عن المياه
الجوفية بآلات وأدوات بدائية. وفي نهاية
كانون الثاني 1950 تفجرت المياه الحلوه في
تلك الاراضي الموات وتحققت الآمال، وتطلع
الاستاذ العلمي وبقية أعضاء جمعية
المشروع الى تأسيس معاهد لأيتام اللآجئين
والمعوزين. ففي شهر آذار 1952
افتتح مركز التدريب الزراعي الصناعي
لأيواء وتعليم الايتام والمعوزين من
اللاجئين. ويشمل التدريب
الزراعي عملية تحلية الارض من الملوحة
وتسويتها وزراعة الحبوب والخضار والفواكه
وتربية الدواجن والابقار وصنع الالبان. وبفعل إيمان الاستاذ العلمي استحالت الصحراء الموات
الى جنان وارفة الظلال، وبرهن هذا العملاق
الفلسطيني على أن الارادة القوية لا تعرف
يأساً، فاجترح وحده معجزات عجزت عنها
الدول العربية مجتمعة. وفي عام 1945 على أثر
اقرار الجامعة العربية انشاء مكاتب عربية
في لندن وواشنطون للدعاية للقضايا
العربية، أنشأ الاستاذ العلمي مكتباً في
نيويورك وآخر في لندن، وثالثاً في القدس. والذين عاصروا هذه
المكاتب الثلاثة يذكرون نجاحها، اذ لجأ
الاستاذ العلمي في توجيهها الى خطة حكيمة
هي الاتصال بما يسمونهم (الرجال –
المفاتيح) ككبار
موظفي الخارجية والساسة والصحفيين،
باعتبار أن التأثير في هذه الفئات اختصار
للشوط الذي سبقتنا اليه الدعاية
الصهيونية. هناك اجماع كلي على
أن الاستاذ العلمي شخصية فذة، وهبها الله
قدراً موفوراً من الاخلاص والعلم والذكاء
ورجاحة العقل. و(الوطنية) – في مفهومه –
تفكير وادراك وعمل ...
لا كلام وشقشقة وثرثرة. من
آثاره العلمية: عز على الاستاذ
العلمي أن تزدرد الصهيونية العالمية (فلسطين)
قلب العالم العربي وتشرد شعبها وتطمس
معالم العروبة والاسلام فيها، فهب – وهو
الحكيم الرصين – الى معالجة الكارثة
الاولى التي عصفت بالعرب عام 1948 بوضع كتاب
قيم أسماه (عبرة فلسطين). ولنفاسة
الموضوعات التي عالجها الاستاذ العلمي
أقبل المثقفون العرب على دراسته ، ونجم عن
هذا الاقبال طبع الكتاب ثلاث طبعات في عام
1949. نموذج
من نثره: مرت معركة فلسطين
في دورين : ففي الدور الأول كان عبء الدفاع
ملقى على عاتق الفلسطينيين. وفي الدور
الثاني تناولته الجيوش العربية ،
لكن العرب لم يحسنوا الدفاع عن فلسطين
في كلا الدورين. في الدور الاول
كانت مواطن الضعف الأساسية في الدفاع
العربي، أنا كنا على غير أهبة وان لم نؤخذ
على غرة، وكان اليهود على أهبة كامله. وإنا
سرنا في المعركة على مقياس الثورات
السابقة، وسار اليهود فيها على مقياس
الحرب الشاملة. وإنا ادرناها على طريقة
موضعية دون وحدة ودون شمول ودون قيادة
عامة، فكان دفاعنا مفككا، وأمرنا فوضى، كل
بلد يحارب وحده، ولم يدخل المعركة الا
أبناء المناطق المجاورة لليهود، وأدارها
اليهود بنظام موحد وقيادة موحدة وتجنيد
عام. وأن سلاحنا كان رديئا وناقصا وكان
سلاح اليهود حسناً قوياً. وأن أهدافنا في
المعركة كانت مضطربة متباينة، وكان هدف
اليهود كسب المعركة. هذه الثغرات نفسها
كانت مواطن الضعف في دفاعنا في الدور
الثاني، دور الجيوش العربية: التفكك
وفقدان القيادة الموحدة والارتجال وتباين
الاهداف، وزاد عليها التخاذل وعدم الجد في
الحرب. وكما أننا لم نحسن
العمل في الميدان العسكري، كذلك لم نحسنه
في الميدان السياسي، كانت أعمالنا
مرتجلة، وكانت تصرفاتنا سلسلة من الاخطاء
الكبيرة، ولم يكن لنا هدف واضح ولا خطة
معينة، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا وذاك
أن حلت بنا الكارثة وأضعنا فلسطين. وانما كانت هذا
الثغرات انعكاساً لحالة الأمة العربية
والنظم القائمة فيها، فهي في نظامها
السياسي مفككة يقوم نظامها على التجزئة،
وقد انعكس ذلك على صفوفها في المعركة،
فكان هذا التفكك والتخاذل. ثم أن زمامها في
أيدي حكومات عاجزة تنقصها الكفاية،
والأمه نفسها لا تزال ضعيفة الوعي والنمو) لعل خير تكريم
لاقاه المرحوم موسى العلمي بعد وفاته هو
الكتاب الذي كتبه الاستاذ الكبير ناصر
الدين النشاشيبي عنه تحت عنوان (آخر
العمالقة في فلسطين / موسى العلمي) –
الباحث.
|
![]()
|
© 2001 Destinations. All Rights Reserved. | ![]() |